التهاب الفقار القسطي (AS) هو مرض روماتيزمي التهابي مزمن يُصيب بشكل رئيسي منطقة العمود الفقري والمفاصل العجزية الحرقفية، مما يؤدي إلى الألم، التيبس، واندماج الفقرات (التصلب). يُعتبر هذا المرض جزءًا من مجموعة من الأمراض تُعرف باسم التهاب المفاصل الصدفي، التي تتشارك معًا ميزات سريرية وجينية معينة.
1. الفيزيولوجيا المرضية
- يُعتبر AS اضطرابًا مناعي ذاتيًا، على الرغم من أن الآلية الدقيقة ليست مفهومة بالكامل.
- يرتبط بشدة مع علامة الجينات HLA-B27، والتي توجد في حوالي 90% من المرضى.
- يبدأ الالتهاب في الأنسجة المرتبطة (الأماكن التي تتصل فيها الأوتار والأربطة بالعظام) وينتشر إلى الأنسجة المجاورة، مما يُسبب:
- التهاب الغشاء الزلالي: التهاب بطانة المفصل.
- التهاب العظام: التهاب في العظام.
- تكوين السندسموفايت: نمو عظام جديدة تُربط بين الفقرات، مما يؤدي إلى صلابة العمود الفقري.
2. علم الأوبئة
- الانتشار: يُؤثر على حوالي 0.1-1% من السكان في جميع أنحاء العالم.
- الجنس: أكثر شيوعًا لدى الرجال (نسبة الذكور إلى الإناث تقرب من 2-3 : 1).
- عمر البداية: يبدأ عادةً في أواخر المراهقة إلى أوائل البلوغ (15-35 سنة).
3. عوامل الخطر
أ. العوامل الجينية:
- الارتباط القوي مع HLA-B27.
- التاريخ العائلي للأمراض المرتبطة بالتهاب المفاصل يزيد من خطر الإصابة.
ب. العوامل البيئية:
- اختلال الميكروبيوم المعوي والعدوى قد تلعب دورًا في تحفيز AS لدى الأفراد المعرضين وراثيًا.
4. الخصائص السريرية
أ. الأعراض المحورية:
- ألم أسفل الظهر: مزمن، التهابي، ويتفاقم في الصباح أو بعد فترات طويلة من عدم النشاط (تيبس صباحي). يتحسن مع النشاط.
- تيبس العمود الفقري: تشمل الحركة المحدودة في العمود الفقري، مما يؤدي إلى وضعية "انحناءة" في الحالات المتأخرة.
- ألم في الرقبة والصدر: في المراحل المتقدمة، يمتد الألم والتيبس إلى العمود الفقري العلوي والأضلاع، مما يقيد توسيع الصدر.
ب. الأعراض المحيطية:
- التهاب المفاصل: يصيب غالبًا الوركين، الأكتاف، والركب.
- التهاب الأوتار: ألم في مواقع مثل وتر العرقوب أو اللفافة الأخمصية.
ج. الأعراض غير المفصلية:
- العين: التهاب القزحية الأمامي الحاد (عين حمراء مؤلمة مع حساسية للضوء) هو السمة الأكثر شيوعًا غير المفصلية.
- الجلد: الارتباط بالصدفية في بعض الحالات.
- الأمعاء: أمراض الأمعاء الالتهابية الخفية أو الظاهرة (IBD) في حوالي 5-10% من المرضى.
- القلب: عدم انتظام في القلب وزيادة خطر الأمراض القلبية.
- الرئة: أمراض الرئة المُقيّدة بسبب تصلب جدار الصدر.
5. التشخيص
أ. التقييم السريري:
- ألم مزمن في الظهر (>3 أشهر) في المرضى الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا.
- الأعراض التي تتحسن مع النشاط وتزداد سوءًا مع الراحة.
- حركة العمود الفقري المحدودة وتوسيع الصدر المحدود.
ب. الفحوصات المخبرية:
- زيادة علامات الالتهاب: مثل بروتين سي التفاعلي (CRP) ومعدل ترسيب كريات الدم الحمراء (ESR).
- اختبار HLA-B27: ليس تشخيصيًا بمفرده ولكن يمكن أن يكون داعمًا في السياق السريري المناسب.
ج. التصوير:
- الأشعة السينية:
- المبكرة: التهاب المفاصل العجزية (تآكل وتصلب المفاصل العجزية).
- المتأخرة: السندسموفايت، العمود الفقري على شكل خيزران (إنصهار الفقرات).
- الأشعة المغناطيسية: للكشف عن الالتهابات المبكرة في المفاصل العجزية والعمود الفقري قبل أن تصبح الأضرار الهيكلية مرئية.
معايير التصنيف:
- تتطلب معايير ACR/EULAR 2010 تسجيل ≥6 نقاط لتشخيص AS بناءً على مشاركة المفاصل، السيرات، وعلامات الالتهاب.
6. العلاج
أ. أهداف العلاج:
- تقليل الألم والتيبس.
- الحفاظ على مرونة العمود الفقري ووضعه.
- منع أو تأخير التلف الهيكلي.
- تحسين نوعية الحياة.
ب. العلاجات الدوائية:
مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs):
- العلاج الأولي لتخفيف الأعراض.
- أمثلة: نابروكسين، إندوميثاسين.
الكورتيكوستيرويدات:
- تقليل الالتهاب بسرعة والسيطرة على الانتكاسات.
- يُستخدم البردنيزون بشكل شائع كعلاج جسر.
أدوية تعديل المرض (DMARDs):
- DMARDs التقليدية:
- مثل الميثوتركسات (علاج الخط الأول).
- الأدوية البيولوجية:
- مثبطات TNF: أداليموماب، إيتانرسيبت، إنفليكسيماب.
- مثبطات IL-6: توكيلزوماب.
- مثبطات خلايا T: أباتاسيبت.
- أدوية استنزاف خلايا B: ريتوكسيماب.
- الأدوية الاصطناعية المستهدفة:
- مثبطات كيناز يانوس (JAK): توفاسيتينيب، بارسيتينيب.
- DMARDs التقليدية:
إدارة الألم:
- مسكنات الألم مثل الأسيتامينوفين أو الأفيونيات الضعيفة للألم الشديد.
ج. التدخلات غير الدوائية:
- العلاج الفيزيائي: للحفاظ على مرونة المفاصل ووضعها.
- العلاج المهني: المساعدة في التكيف مع الأنشطة اليومية.
- تعديلات نمط الحياة:
- الإقلاع عن التدخين.
- إدارة الوزن.
- ممارسة الأنشطة الرياضية منخفضة التأثير.
د. الخيارات الجراحية:
- نادرة لكن يمكن أن تشمل استبدال المفصل أو جراحة العمود الفقري لتصحيح التشوه.
7. المضاعفات
- التصلب: انصهار الفقرات، مما يؤدي إلى فقدان مرونة العمود الفقري.
- الكسور: زيادة خطر الكسور الفقرية بسبب الصلابة وهشاشة العظام.
- تكرار التهاب القزحية: نوبات متكررة قد تؤدي إلى تدهور الرؤية إذا تُركت دون علاج.
- مخاطر القلب: زيادة احتمال الإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب.
- الأثر النفسي والاجتماعي: الألم المزمن يمكن أن يؤثر سلبًا على جودة الحياة.
8. التشخيص والإدارة
- التشخيص المبكر والعلاج الفعال يُحسن من النتائج.
- العلاجات البيولوجية المستهدفة غيرت بشكل كبير مسار المرض، مما يساعد العديد من المرضى على تحقيق الهدوء أو نشاط المرض المنخفض.
الخلاصة
التهاب الفقار القسطي حالة معقدة تتطلب إدارة دقيقة وعلاجًا شاملًا لضمان نوعية حياة جيدة وتخفيف الأعراض. من المهم التعاون مع أخصائي الروماتيزم لضمان اتخاذ الخيارات العلاجية المناسبة والمراقبة المستمرة للحالة. في النهاية، يكون التشخيص المبكر والتدخل الاستباقي هما المفتاحان لتحقيق أفضل النتائج للمرضى
0 التعليقات :
إرسال تعليق